الاثنين، 9 يونيو 2008

منذ اربعة سنوات كنا فأصبحنا ... مجدي الجلاد يرصد التراجع فى كل شيئ نحو الاسوأ طبعاً


نحن شعب الأحلام الصغيرة، التي لا تتحقق.. شعب بريء وطيب، يحكمه نظام شديد الذكاء.. ولنا في السنوات الأربع الأخيرة ألف دليل علي ذلك!
بشيء من الحسرة والألم، أنظر اليوم إلي ما كان في الحلم والطموح.. وما صار في الواقع وعلي الأرض.. منذ ٤ سنوات، أو أقل قليلاً، كانت مصر تموج برغبة جامحة في التغيير والإصلاح.. كان الرحم يحمل نطفة جنين يتوق إلي الاكتمال والخروج للحياة.. كثير من المواطنين تخلّوا عن السلبية والصمت، ورأوا في الزخم الإعلامي فرصة للتعبير عن الرأي.. جيل جديد لم يرث «جين الخوف» من الآباء،
وفئات من الشعب دخلت المشهد السياسي بعد غياب اختياري أو قسري، لعقود طويلة.. كان المواطن مخلصاً في سعيه إلي التحرر من الكبت والقمع.. وكان النظام الحاكم مخلصاً في الالتفاف والمناورة، للإفلات من الضغط واللحظة المأزومة.. فماذا حدث.. وأي الطرفين نجح؟!
يبدو لي الآن أن النظام السياسي أكمل مهمته بنجاح.. فقد عادت مصر إلي حظيرته، أو إلي «جيبه»، لذلك فقد أيقنت ـ مثلك تماما ـ أننا أطيب شعب يتعامل مع أذكي نظام.. فمنذ ٤ أعوام، أو أقل قليلاً، كنا نتحدث عن تغيير الدستور، ونطالب بدستور جديد يحكم مصر الحديثة.. وتحولت المطالب علي «كف النظام» إلي تعديل عدة مواد، كرست سلطة الحاكم الفرد،
وأقصت القوي السياسية الأخري عن المشهد بالكامل.. كنا نجأر بالشكوي من قانون الطوارئ، ونتظاهر من أجل إلغائه، ونهدد بالتصعيد ضده، فوصلت بنا الحال الآن إلي الصلاة لله عز وجل، شكراً وحمداً، لأن الحكومة قررت تمديد العمل به لعامين جديدين، بدلاً من إقرار قانون مكافحة الإرهاب «الإرهابي».. إنها عبقرية نظام، وسذاجة شعب!
منذ ٤ أعوام، أو أقل قليلاً.. كنا نطالب باستقلال القضاء.. قام القضاة، وقامت الدنيا معهم وحولهم، واليوم تمطر سماء النظام إجراءات وقوانين، تضيق الخناق علي القضاة، وتضعهم في منطقة رد الفعل، والدفاع، والشكوي.. نسي القضاة قضية «الاستقلال»، وتفرغوا لصد الهجوم الكاسح من الدولة.. ومنذ ٤ أعوام، أو أقل قليلاً، كنا نصرخ من «تزوير الانتخابات»، وتدخلات الحكومة ووزارة الداخلية، رغم إشراف القضاة علي التصويت والفرز، فأصبحت الانتخابات بالكامل في يد الحكومة وأجهزة الأمن.
منذ ٤ أعوام، أو أقل قليلاً.. دخلنا نقاشاً جاداً حول ضرورة إلغاء وزارة الإعلام، هذا الكيان الهلامي، الذي ظهر في الحروب العالمية، وانقرض منذ عقود طويلة في كل دول العالم.. كنا نحلم بإعلام حر، وكلمة بلا قيود.. واليوم نتوسل لـ«وزير الإعلام» كي يعفو عن المحطات الفضائية، ويغفر لها خطاياها، ويتنازل ويتكرم، ويصرف النظر عن تطبيق ميثاق الفضائيات، الذي كمم الأفواه، وعقد الألسن، وزرع في كل شاشة رقيباً وحسيباً.
منذ ٤ أعوام، أو أقل قليلاً.. مارسنا ضغوطاً علي النظام، لإلغاء لجنة شؤون الأحزاب.. اعتقدنا واهمين أن بالإمكان تأسيس الأحزاب بحرية، مثل الدول الديمقراطية.. والآن «نكنس» بلاط السيدة زينب حتي تمرر اللجنة ـ فقط ـ حزبي الوسط والكرامة «المعتقلين» في أدراجها.. يومها كنا نحلم بإلغاء القيود علي إصدار الصحف،
والآن تكافح الصحف الجديدة للحصول علي تراخيص، ولو بالقيود القديمة.. واسألوا صفوت الشريف عن الضوابط التعجيزية التي يستعد لفرضها علي الصحف المستقلة.. كنا نقف علي سلم النقابة، ونتظاهر لإلغاء الحبس في قضايا النشر، واليوم بات كل أملنا أن يفلت زملاؤنا الصحفيون من أحكام فعلية تطوق رقابهم.
منذ ٤ أعوام، أو أقل قليلاً.. كان المواطنون يتحدثون عن الإصلاح الاقتصادي، والنمو وثماره، وكانوا يطالبون بتوزيع عادل للثروة، والآن بات حلم كل مواطن أن يحصل علي «رغيف عيش» من حصته المقررة بالبطاقة.. كنا نحلم بالرفاهية، وأصبحنا نكتوي بنار الأسعار، وننحدر أسفل خط الفقر.. كنا نحلم بسيارة صغيرة، فبات كل أملنا ركوب «الميكروباص» بتعريفة العام الماضي.
راودتنا أحلام صغيرة وطموحات متواضعة.. ولكن النظام الحاكم كان أذكي.. وبدلا من خطوات قليلة إلي الأمام، رجعنا إلي الخلف أميالاً وأميالاً.. فماذا تبقي لنا في جعبة النظام؟!

ليست هناك تعليقات: