الثلاثاء، 8 يوليو 2008

كلُ شيءٍ هالكُ إلا وجِهَهْ .. إهداء إلى ممدوح المنير



نقلا عن نافذة مصر

الكلُ كانوا في انتظاره .. لم نكن ندرك : ماذا يعني أن يحصلَ متهمٌ على إفراج نهائي ثم يظهر في مجمع المحاكم !! لحظاتٌ قليلة وأدركنا الحقيقةْ .. (قررت نيابةُ امن الدولة العليا تمديدُ حبس المنير لمدة خمسةَ عشرةَ يوماً كاملة) !
سيطر الهدوء على الجميع .. والأب ساكنٌ كالجبال لم يلتفت التفاتةً لابنه من هول المفاجأة !
سلامٌ خاطف ، وقُبلتين باردتين وأعطانا المنير ظهره في طريقه لمنفاه الإجباري في (الوادي)
كان يتهادى في مشيته والأغلال في يديه .. ربما لا نتذكر الطرف الأخر في القيد . فممدوح المنير كان يملئُ الكادر ذكرىَ ومساحةً وحجماً !!
ابيضُ ثوبه ..لكن زنزانةً سوداء قاسية باردة في انتظاره !!
خمسةُ عشرةَ يوماً لا تعني شيئا لنظام مبارك ربما ولا خمسةٌ عشرةَ شهرا ولا خمسةً عشرةَ عاماً .. فعندما تشيخُ النظم وتترهل تفقد الاحساس بالزمن ويبقى جهاز الأمن فتياً يُحكم قبضته ويفرض سطوته لتتهاوى قيمة الأيام والأزمان والأعمار في ركابه ، وتستفحلُ أعراضُ المرض ، حتى يطلع الفجر..
اذكرُ أنني قرأت في عقد التسعينات أن حكايات الموتِ كانت تسيطرُ على الأدب والفلكلور البوسني وتصبغه بالسواد .. يحكي احدهم أن رجلاً كان جالساً أمام صانع الأحذية ماداً قدميه يوصيه بحذائه حتى يكفيه أعوامٌ وأعوام .. في الوقت الذي كان فيه ملك الموت شاخصاً أمام بصره يضحك على طول أمله ثم يقبض روحه ..
ويحكي آخر عن الأم التي حملت طفلها من شاطئٍ لأخر ، وحينما كانت في منتصف المسافة عائدة لتحمل الآخر صارعت الموت باكية ، ليفصل النهر بين الطفلين ، الذَين التقيا بعد أعوامٍ في مبارزة عنيفة أطاحت برأسيهما !!
ملك الموت كان باعتقادهم متهماً على الدوام . يقف في طريق الأمل ليُحطمه ويُلقى بظلال الكآبةٍ في نفوس البشر.. ربما عكست المذابح الصربية المروعة الإحساس بقرب الموت وجسدّته حكايا وروايات !! كذا حكاياتُ الخوف التي نشعر بها الآن من المجهول المترصد !!




على عكس المحبطين يعيشُ المنير دائماً على الأمل .. علق يوماً على مقالٍ لي بعنوان (ليل العبيد) بعباراتٍ أشعرتنيِ بالضيق .. قال : ( لك ليلُ العبيد ووحل الطريق ولنا النجوم في السماء) !! سماءُ المنير دائماً مشرقة رغم الكرب.. الكرب الذي يعيش فيه وطنُ بأكمله .. كرب طابور الخبز وشُح الماء وتأكل قيمةِ الجنيه وانحسار المرءوة..
في كل يوم تتناقص طموحات الشعب وتشتد المعاناة إلا على محرري صفحات الحوادث في الصحف .. هم فقط تتزايدُ المساحة المتاحة لهم !!
سرقةٌ ونهب ، وتزوير وتسريب امتحانات في مرحلة مفصلية تحدد قادة المجتمع ورؤسه !! قتل وسلب وانتهاكات واعتداءات ..
كلما هممنا بشربةِ ماءٍ تذكرنا فيوضات الجراثيم وهي تتزاحم في الطريق إلى أبداننا ، وكلما رأينا قطعة لحم تدور في الوعاء جالت بخواطرنا صورة جزار السوء وهو يَسلخُ الميتةً ويقطعها ويقدمها للجوعى سماً زُعافاً ..
سمُ خريف عهد أوشك على الانقضاء (كلُ شيءٍ هالكٌ إلا وجهه )
لم يترك لنا إلا ذكريات أليمة تقبع فوق رؤسنا لتصبغ فلكلورنا وحكايانا بألوان القهر والكبت .. وكلما اشتدت سوداويةٌ الصورةِ كلما أيقنا انه يستعجلُ نهايته غير مأسوفٍ عليه ..
عندما يقترن الظلم بالقهر ، والاستبداد والتزوير ، والتعذيب والانتهاك بالفوضى ليجسدا صورةً عهدْ ويرسما ملامح نظام ..يوشك أن يطلُع الفجر..
عاش مبارك طويلا ًأمامنا .. بعيداً عنا... بيننا وبينه كتل اسمنتية لمخلوقات بشرية يزاحموننا بصوره أينما ولّينَا .. وباسمه مزين بالصفات والنياشين كلما اتجهنا .. لتتلاشي صورة الوطن أمام عبقريته وانجازاته المزعومة !!
تتحرك مصر نحو الفوضى وشعبها نحو الجوع حينما يتحدثون عن الرقي والتقدم .. وعندما يثرثرُون عن الكرامة والعزة تأتي روايات الأحرار داخل الزنازين بحكاياتٍ عن تعذيبِ وسبِ وضربِ وانتهاك وتعرية واهانات قال احدهم (نالت أمي نصيب الأسد من الاهانات وأقذع الألفاظ ، لم يذكرون اسمي مرة واحدة بل اُلحق بها مُهانة مأذية ) ، بينما قال الطبيب الشرعي لأحدهم لقد رأيت على جسدك آثاراً لأكبر كمية حشرات شاهدتها في حياتي ) !!
تُربي الأمهات أطفالهن ويَجُعن ليوصمن بالعهر في سجون التحضر!!
و حتى إذا أُذِّن للصلاةِ توقفت السلخانات وأقيمت الصلاة ووقف الجميع في صفوف منتظمة خلف الإمام بعد أن اخرجوا السجين الذبيح !! يقفون أمام إلههُم يقدسونه ويقدمون إليه القرابين : كرامةُ منزوعة ، وأجسادُ مفزوعة لا يفرقون بين العبد الذي ربما لا يعلم بالواقع ويجهل الأحداث والرب ..
يوشك العبد أن يصل إلى الرب .. يسارع الخطى جبراً !!
يقفُ الرب في موضع القدرة والحساب يرى ويسمع .. والملكين يسجلان عن يمينٍ ويسار وهو يثبتُ الأسلاك ويوصل التيار ويستمتع برائحة الشواء !!
تتسارع حصيلة الحصر وأقذع الألفاظ تنساب كالنهر شلالات من بين الفكين قاذورات على أطراف اللسان ..
ويوم القيامة يتحول المشهود إلى شاهد وتتبدل الأدوار..
ربما يقرأ البعض من بين ثنايا كلماتي سوداوية لم اقصدها بتاتاً !!
بل هي فتنةٌ واختبار.. يُختبر البعض ليَثبت ويُبليَ بلاءً حسناً (في سبيلك يا رب) ويُفتنون لتحَصّل جهنم نصيبها من الإنس لحوم وشحوم ودماء..
يتقربُ البعض إلى الله.. ويسجد البعض لأصنام ديكتاتوريات تغادر ولا يبقى إلا الأثر.. ضاقت المسافات ولم تبقى إلا لحظات ..
يبقى البعض في كنفِ الله وتحاصرُ البعض الوحدةُ والوجل من حساب دنيوي بعد أن تشرق الشمسُ ، ولا مجال لآخرة يطمع فيها أولوا الألباب ..
يرسُم البعض العز في خطواته رغم الأغلال .. ويغني البعضُ بقوةٍ وعنفوان الأجساد ، وصلابة الساعد ، ومهابة الهيئة نشيدُ الفناء
برأيك أيُ الفريقين أحقُ بالأمن ؟؟؟

وائل الحديني

هناك تعليق واحد:

walaa rizk يقول...

كلماتى عاجزه عن ما أشعر به الآن

مابين عجز واراده نحو البقاء

مابين سخط على هذا النظام الغبى الذى نتمنى زواله

وبين أمل فى مستقبل أفضل بتلك البشاره القرآنيه

والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا

فأجد نفسى تتوق ان نكون ممن نجاهد من أجل الدين ولو بكلمه حق

بين حقيقه واقعه واحساس بان الفجر قد لاح

لا أملك سوى الدعاء لدكتور ممدوح المنير

الذى عرفته متحدث لبق وعرقته محاضر ومناقش على درجه من الرقى

وعرفته صديقا لأخى يقف وقت الازمات حق الوقفه

فله تحياتى ودعائى حتى يفك الله كربه

وفى رأى ان من يرسم العز فى وجهه رغم الأغلال

هو من سيفوز فى النهايه

تحياتى لأستاذنا وائل الحدينى

ولمحررى احرار ولكن