الاثنين، 24 نوفمبر 2008

مشاهدات من غزة " الصابرة "


تمضي ثقيلة نهارات غزة وطويلة لياليها كالحة الظلام، كئيبة أيامها، ضيقة نفوس أهلها، وقد استبد بهم الظلم، وقتلهم تواطؤ وصمت وتجاهل ذوي القربى، الذين ما عاد يعنيهم الموت البطيئ لأطفالهم الذين يتكدسون داخل المستشفيات، وقد أنهك المرض أجسادهم النحيلة، فيما يهدد الجوع والحرمان حياتهم، ويجعلهم يوشكون على الكفر ألف مرة بمن يدعون أنهم أشقاء وأخوة، لم يتكبدوا عناء التظاهر احتجاجا على موتهم البطيئ، بعد أن شبعوا كفرا بزعماء وقادة ما كانوا يوما سوى معينا لعدوهم على قتلهم. غزة التي لطالما تغنى العرب بشدة بأسها وعزيمة أبنائها وعنفها ضد محتلها حتى فر عنها هاربا من جحيمها..


تموت الآن، ليس لأن إسرائيل تحاصرها وتمنع عنها الدواء والغذاء والكهرباء، بل لأنها حذفت من قاموس النخوة العربية، ولم تعد تشكل معاناة أهلها سوى أرقاما يتداولها أخوة العرق والدين، وأكثر من ذلك هو أن هؤلاء (الأخوة) هم من يشددون الخناق على غزة، ويقتلون أهلها بحصارهم وإغلاقهم لمنافذ الحياة، التي لا تستطيع إسرائيل أو غيرها منعهم من فتحها، لكنه الجبن والإمعان في الظلم هو من يجعلهم يحجمون على تلك الخطوة التي ستعني وبكل بساطة.. بعث الروح من جديد في جسد غزة.



في نهار غزة يناضل رجالها من اجل جلب القوت لأطفالهم حتى لو تطلب الأمر الوقوف لساعات طويلة أمام مخبز بسيط لم يقفل بعد أبوابه، بينما تسعى نسائها للبحث عن بدائل يمكنها من خلالها إطعام أطفالها.. والبدائل تلك ما هي سوى عودة لقرون طويلة إلى الوراء, في ظل انعدام كل مقومات الحياة الحديثة من كهرباء وغاز وغير ذلك من احتياجات، لكن ذلك لا يمكنه تغيير الواقع الأليم، فحتى "الحطب" الذي أصبح الوسيلة الأنجع لطهي الطعام لم يعد من الممكن الحصول عليه، فلجأت بعض العائلات لتحويل الملابس البالية إلى وقود!.



أما الليل، فله حكاية طويلة.. يبدأ مبكرا جدا، ويخيم بظلامه على نفوس مليون ونصف المليون فلسطيني يقبعون في سجن كبير.. جوع النهار ووجعه لا يكفي أطفال غزة، فيتبعه رعب في الليل وهلع من قتامة واقعهم المرير، فيما البرد القارص يلفح أجسادهم التي توقفت عن النمو حتى أن منظمات دولية قالت أن غزة ستتحول إلى "مدينة من الأقزام" بحلول الأعوام القليلة القادمة بفعل سوء التغذية والأمراض التي تفشت ويعاني منها معظم أطفال القطاع.

يطول الليل كثيرا ولا يكاد ينتهي، وتطول معه المعاناة والمأساة لأناس لا يكادوا يتعايشوا – أو يحاولوا – مع مشكلة، حتى تواجههم أخرى أكثر قسوة، وآخرها أنهم باتوا معرضين للغرق بالمياه العادمة التي ستطفو عليهم لا محالة إن استمر انقطاع الكهرباء، الذي يستخدم عادة في ضخها بعيدا عنهم، في حين أن مخاوف الموت عطشا أصبحت مشروعة، في ظل عدم وصولها إلى الكثير من الأحياء منذ نحو أسبوع، أما إن وصلت لأحياء أخرى فهي ملوثة، ولا تصلح لاستخدام البشر.



رغم قسوة الحياة وصعوبتها في غزة، إلا أنها تجد من يأتي إليها متضامنا، على الأقل ليعيش الواقع بنفسه دون أن يبقى صامتا؛ بالطبع هؤلاء ليس عربا، بل هم أوربيين جاءوا إلى هنا للوقوف إلى جانب أهلها المحاصرين، دون أن يبالوا بصعوبات الحياة البدائية فيها، وبالعنف الذي يواجههم به الاحتلال، الذي لا يتورع عن إطلاق الرصاص عليهم أو اعتقالهم إن حاولوا الاقتراب من مناطق التماس، أو سعوا لمرافقة الصيادين إلى البحر مشكلين دروعا بشرية لهم، وعلى الجانب الآخر يكتفي العرب بالصمت الذي طال كثيرا من الشعوب، أما ولاة الأمر فلا يريد منهم الغزيين سوى الكف عن دفع ثمن الصواريخ التي تنهال على رؤوسهم والوقود الذي يشغل تلك الطائرات التي لا تبرح سمائهم!.



إبراهيم عمر - الجزيرة توك

هناك تعليق واحد:

اوعى تفكر يقول...

حسبى الله ونعم الوكيل
اللهم انصر اخوتنا فى غزه