الثلاثاء، 24 فبراير 2009

ماتبقى من كرامة مصر – فهمي هويدي

http://www.awan.com/files/imagecache/node_photo/files/rbimages/1230225498232560600_0.jpg

حين اعتبر المفاوض الإسرائيلي عاموس جلعاد أن أولمرت أهان مصر حين تراجع في اللحظة الأخيرة واشترط

إطلاق سراح الجندي الأسير شرطا للتهدئة وفتح المعابر، فإن مصر كان لها رد فعل آخر أخف وطأة. إذ وصفت ذلك التراجع بأنه «مجرد انتكاسة»، بما يعني أنه يمس مسار التهدئة ولا يمس كرامة مصر.

http://newsimg.bbc.co.uk/media/images/45427000/jpg/_45427561__416pic.jpg

شيء من هذا القبيل حدث حين اعتبر طيب أردوجان أن إسرائيل وجهت إهانة إلى تركيا، حين زارها أولمرت قبل أسبوع من بدء الحرب على غزة، ولم يشر إلى ذلك أثناء محادثاته في أنقرة، رغم علمه بأن قرار الحرب قد صدر. لكن مصر لم تر في الأمر إهانة، حين استقبلت وزيرة الخارجية الإسرائيلية قبل 48 ساعة من الحرب، وأعلنت من القاهرة أن حكومتها ستقضي على حركة حماس. وكل ما فعلته مصر أنها طالبت بوقف إطلاق النار، ولم يقصر وزير خارجيتها في تحميل حماس المسؤولية عما جرى.

تكرر المشهد حين وقعت وزيرة الخارجية الإسرائيلية مع نظيرتها الأميركية قبل آخر يوم من انتهاء ولاية الرئيس بوش، اتفاقا بخصوص ترتيبات معينة لمنع وصول السلاح إلى المقاومة في غزة، ورغم أن مصر لم تكن طرفا في الاتفاق، فإنها فوجئت بأنه يتناول أوضاعا تخص حدودها على قطاع غزة، الأمر الذي سبب لها حرجا سياسيا بالغا، استقبلته بكظم الغيظ أولا، وبالإعلان عن أن مصر لن تعترف بأي اتفاق يمس سيادتها على أراضيها، ثم سكنت بعد ذلك.

ما حدث بعد ذلك أثناء الحرب على غزة كان أفدح، إذ عمدت إسرائيل إلى قصف الشريط الحدودي المصري على القطاع بمختلف أنواع الأسلحة والصواريخ والقنابل، التي أحدثت أضرارا عديدة بكل صور الحياة في الجانب المصري من الحدود، فتصدعت المباني أو انهارت، كما أن البشر تعرضوا لإصابات مختلفة. وتذرعت إسرائيل في ذلك برغبتها في تدمير الأنفاق الواصلة بين القطاع ورفح المصرية، إلا أن هذه العمليات العسكرية التي استمرت طوال أسابيع الحرب تعد انتهاكا صريحا لنصوص معاهدة السلام الموقعة بين البلدين منذ ثلاثين عاما، إذ تنص تلك المعاهدة على أن الحدود مصونة لا تمس، وأن الطرفين ملزمان بعدم صدور أي فعل من أفعال الحرب أو الأعمال العدوانية أو التهديد ضد السكان، كما حددت على سبيل الحصر الأسلحة المسموح باستخدامها على الحدود، في مساحة بعرض ثلاثة كيلومترات أطلق عليها المنطقة «د». ذلك كله تجاهلته إسرائيل وأطاحت به في محاولتها تدمير الأنفاق. وكل الذي فعلته مصر إزاء تلك الانتهاكات الفجة والمتكررة، أنها سجلت الخروقات التي قامت بها إسرائيل وأبلغتها في هدوء إلى الأمم المتحدة.

إذا أضفنا إلى هذه الوقائع سجل الحوادث التي شهدتها الحدود بين البلدين خلال السنوات الأخيرة التي أدت إلى قتل نحو 15 مواطنا مصريا بعضهم عسكريون بالرصاص الإسرائيلي، ثم استمرار استقبال المسؤولين الإسرائيليين في القاهرة بعد ذلك مباشرة وكأن شيئا لم يكن، فإن حيرة المرء ودهشته ينبغي أن تتضاعفا. إذ فضلا عن شعوره بالمهانة والخزي، فإن أسئلة كثيرة لابد أن تلح عليه، بعضها ما خطر لجيلنا على الأقل أن يطرحه يوما ما. أحدها مثلا السؤال عن السبب في أن مصر أصبحت تدير للإسرائيليين خدها الأيسر، كلما تلقت منهم ضربة على الخد الأيمن؟

إن في الفم ماء كثيرا، والدهشة تعقد اللسان عن مواصلة السؤال. إلا أنني في كل الأحوال، لا أتصور أن مصر أصبحت بلا حيلة، ولا تملك وسيلة للرد على الإهانة والوقاحة الإسرائيليتين، خصوصا أننا فرطنا في أشياء كثيرة تخص البلد، ولم يبق له إلا بعض الكرامة، فحافظوا عليها أرجوكم، حتى لا نموت من الكمد، ونقتنع بأن باطن الأرض أصبح خيرا لنا من ظاهرها.

..............

ليست هناك تعليقات: