
ورأى خبير في الاجتماع السياسي أن استجابة الحكومة لمطالب منظمي الإضرابات دليل على زيادة وعي المواطنين بحقوقهم واعتراف ضمني من الحكومة بإخفاقها في توفير الخدمات الأساسية أو إرضاء المطالب الفئوية.
المحامون كانوا أبطال آخر حلقات مسلسل "الإضرابات في مصر" واستطاعوا أن يجبروا الحكومة على التراجع عن مشروع قانون الرسوم القضائية الذي كان من المفترض أن يضاعف الرسوم المالية الخاصة برفع الدعاوى القضائية.
وتسبب ذلك في إثارة جدل واسع في الشارع المصري حول إذا ما كان المتقاضي البسيط سوف يستطيع أخذ حقوقه بالقانون أم لا بعد إقرار هذا المشروع من قبل مجلس الشعب (الغرفة الأولى من البرلمان).
وبحسب مراقبين، فإن إضراب المحامين بعدد من الدوائر التي توقفت عن نظر القضايا جعل الحكومة تدرك خطورة توقف المحاكم عن أداء دورها المعتاد؛ خاصة أن المحامين قد هددوا بأن يكون يوم الثلاثاء الماضي يوم إضراب شامل لهم، كان من المفترض أن تتوقف بسببه كافة المحاكم عن نظر القضايا.
ومن هذا المنطلق وافق مجلس الشعب على طلب قدمه عدد من نواب الحزب الوطني الحاكم بتحويل مشروع القانون إلى اللجنة التشريعية لدراسته، كما وافق على هذا الأمر المستشار ممدوح مرعي وزير العدل، وهو الأمر الذي أثلج صدور المحامين وجعلهم يعلنون تعليق إضرابهم إلى أجل غير مسمى، معتبرين أن إعادة مناقشة المشروع من جديد بمشاركة القانونيين تعد انتصارا لإرادة المحامين.
والصيادلة أيضا
وقبل المحامين نظم الصيادلة خلال الشهر الماضي احتجاجا على إلغاء وزارة المالية اتفاقية المحاسبة الضريبية معهم، وعلى إثر قرار الوزارة أعلنت نقابة الصيادلة إضرابا عاما وإغلاق الصيدليات حتى يتم الاستجابة لمطالبهم.
ولم يكد يمر يومان حتى أنهى الصيادلة إضرابهم بعد اتفاقهم مع الدكتور يوسف بطرس غالي وزير المالية حول كيفية محاسبتهم ضريبيا، بل وصل لحد اعتذار الوزير عما بدر من رئيس مصلحة الضرائب خلال تعامله مع الصيادلة أثناء الأزمة، الأمر الذي اعتبره الصيادلة نجاحا لإضرابهم في تحقيق مطالبهم وإيصال صوتهم للحكومة.
أصحاب المقطورات
فبراير الماضي شهد أيضا إضراب سائقي سيارات النقل الثقيل احتجاجًا على قانون المرور الجديد الذي يقضي بإلغاء المقطورات من سياراتهم.
ولحل هذه المشكلة تدخل الرئيس حسني مبارك مباشرة بإصدار أوامر للحكومة بسرعة تعديل مواصفات المقطورة، وأن يستمر العمل بها حتى لو تجاوزت فترة العامين -التي يحددها قانون المرور الجديد- حتى يتم تحويلها إلى سيارات نقل ثقيلة (تريللات) بالتعاون بين أصحاب المقطورات والوزارات المعنية.
وبناء على أوامر مبارك أعلنت الوزارة أنها ستقوم خلال الفترة القادمة بحصر أعداد المقطورات التي تعمل على الطرق ودراسة كيفية تعديلها إلى تريللات وإنشاء صندوق لتمويل هذه التعديلات، وهو ما اعتبره أصحاب المقطورات نجاحا في إجبار الحكومة على الاستجابة لمطالبهم ليتوقف الإضراب.
ورصدت مراكز حقوقية مصرية نحو 1609 حركات احتجاجية شهدتها مصر خلال الفترة بين عامي 2004 و2008، فضلا عن الإضرابات والاحتجاجات التي جرت في مطلع 2009.
الوعي بالحقوق
وفي تعليقها على كثرة الإضرابات واستجابة الحكومة لها، قالت الدكتورة هالة مصطفى -رئيسة تحرير مجلة الديمقراطية (إحدى إصدارات مؤسسة الأهرام)-: "إن هذا دليل على زيادة وعي المواطنين بحقوقهم".
واعتبرت في تصريح لـ إسلام أون لاين أن هذه الاستجابة هي "اعتراف ضمني من الحكومة بإخفاقها في توفير الخدمات الأساسية أو إرضاء المطالب الفئوية في ظل تدني الأجور وارتفاع الأسعار".
وحول مدلولات استجابة الحكومة تقول الدكتورة هالة مصطفى: "هذا مؤشر على تفهم الدولة لمطالب المواطنين والفئات المهنية المختلفة، وأن الحكومة على دراية كاملة بمدى تدني وتدهور مستويات المعيشة والفجوة الكبيرة بين الأغنياء والفقراء".
وتضيف رئيسة تحرير مجلة الديمقراطية: "لكي تكون هناك سلامة واستقرار اجتماعي وسياسي يجب أن تفتح الحكومة أبوابا للحوار مع الفئات المختلفة من المواطنين وأن تتجنب اتخاذ القرارات الفجائية التي تمثل أعباء جديدة على طوائف الشعب المختلفة".
وتتوقع الخبيرة في علم الاجتماع السياسي أن يتسبب فرض الضرائب والرسوم المختلفة بصورة تصاعدية في وقوع المزيد من الإضرابات في الفترة القادمة نتيجة تذمر الطبقات المختلفة من الشعب واحتجاجها على القرارات الحكومية التي تتصادم مع الواقع والأزمة الاقتصادية التي يعاني منها السواد الأعظم من المواطنين.
ويشير مراقبون إلى أن بداية تصاعد وتيرة الفعاليات الاحتجاجية في مصر قد ارتبطت بالفترة التي أطلق عليها "الحراك السياسي"، والتي صاحبت التعديلات الدستورية التي قام بها الرئيس المصري مبارك في عام 2005 وانتخابات مجلس الشعب والانتخابات الرئاسية في نفس العام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق